سورة الكهف - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106)} [الكهف: 18/ 99- 106].
من علامات الساعة خروج يأجوج ومأجوج (قوم من البشرية) ففي زمن قبل يوم القيامة: يترك الله الناس يضطرب بعضهم ويختلط مع بعض آخر، فيكثر القتل، وتفسد الزروع، وتتلف الأموال، وذلك قبل نفخ الصور، فإذا اقترب موعد القيامة نفخ في الصور: (وهو القرن الذي ينفخ فيه للقيامة).
وهي النفخة الثانية نفخة الصّعق، ويجمع الله الناس جمعا، بأن يحييهم الله بعد تلاشي أبدانهم وصيرورتها ترابا، ويحضرهم إلى المحشر والحساب جميعا. والنفخات ثلاث، أسند الطبري، رحمه الله، إلى أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الصور: قرن عظيم، ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، والثانية- نفخة الصّعق، والثالثة- نفخة القيامة».
ويعرض الله بعد الحشر جهنم ويبرزها إبرازا واضحا لكل من كفر بالله، بعد النفخة الثانية أو الثالثة في الصور، حتى يشاهدوا أهوالها، يوم جمعهم لها.
وأوصاف الكفار وأسباب عقابهم أربعة:
أولا- التعامي عن سماع الحق واتباعه، وترك نظرهم في آيات الله، وعدم تفكرهم فيها، حتى يتوصلوا إلى توحيد الله واتباع أوامره، ولأنهم كانوا لا يطيقون سماع ذكر الله الذي بيّنه لهم في كتابه، أي إنهم يعطلون وسائل المعرفة، من مشاهدة آيات الله بالأبصار، ويعرضون عن سماع الأدلة المذكورة في كتاب الله تعالى.
ثانيا- عبادة معبودات من دون الله، باتخاذهم أولياء ونصراء ومعبودات من غير الله، كالملائكة والشياطين وبعض البشر، ظنا منهم أن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم العذاب، ونسوا أن الله تعالى أعد لهؤلاء الكافرين العابدين غير الله جهنم منزلا ينزلون به، كما يعدّ النزل للضيف، بسبب اتخاذهم أولياء (أي معبودين) من دون الله. وهذا تهكم بهم وتخطئة لحساباتهم.
ثالثا- الجهل والغباء بظنهم أنهم أحسنوا في الدنيا أعمالهم، وهم في الواقع أخسر الناس أعمالا، وهم الذين ضل سعيهم وعملهم في الدنيا، فعملوا الأعمال الباطلة على غير شريعة مقبولة، وأتعبوا أنفسهم فيما لا نفع فيه، فضيعوا ثمار أعمالهم. وهذا توبيخ شديد لهم وتقريع لهم على سوء اختيارهم.
رابعا- كفرهم بآيات ربهم ولقائه يوم القيامة، فهم الذين جحدوا في الدنيا بآيات الله التنزيلية، والتكوينية الدالة على توحيده، وهم الذين كذبوا بالبعث والحساب ولقاء الله وما بعده من أمور الآخرة، فحبطت وضاعت أعمالهم التي عملوها، ظانين أنها حسنة، ولا يقام لتلك الأعمال وزن، ولا يكون لها قدر، ولا يعبأ بهم.
ونتيجة لهذه الأسباب الأربعة، كان جزاؤهم الدخول في نار جهنم، بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله، وسخريتهم من رسل الله، ومن معجزاتهم، فإنهم استهزءوا بهم، وكذبوهم أشد التكذيب، والهزء: الاستخفاف والسخرية.
والخلاصة: إن جزاء الكافرين هو: بسبب إنكار البعث والحشر، والإشراك بالله والجهل، والكفر بآيات الله، والاستهزاء بالرسل والآيات الكونية والتنزيلية، والجزاء أنواع ثلاثة: إحباط أعمال الدنيا، وإهدار الكرامة والاعتبار، والعذاب في نار جهنم.
جزاء المؤمنين وأسبابه:
في مقابلة بيان أسباب الكفر وجزاء الكافرين، أورد الله تعالى جزاء المؤمنين وأسبابه، وفرق واضح بين الجزاءين وأسبابهما، فجزاء الكفر كما تقدم: الخلود في نيران جهنم، وجزاء الإيمان والعمل الصالح: الخلود في جنان الخلد. وبواعث الإيمان كثيرة أهمها إدراك شيء من عظمة الله وسعة علمه. وجوهر الإيمان: توحيد الله، فمن رجا لقاء الله، عمل العمل الصالح، وعبد الله وحده، دون أن يشرك به أحدا.
قال الله تعالى موضحا هذه الأسس الخالدة:


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)} [الكهف: 18/ 107- 110].
يتميز منهج القرآن الكريم ببيان المتقابلات وعقد الموازنة بينها، لتكون الصورة متكاملة والرؤية واضحة، ويظهر الحق من الباطل، ويتخير المرء ما يروق له، فيكون إما جالبا الخير لنفسه ومعتقها من النار، أو جالبا الشر لذاته وموبقها في النار، وهكذا هنا، بعد أن أوضح الله سبحانه ما أعد للكافرين والأخسرين أعمالا، ذكر ما أعدّ للمؤمنين، ليظهر التباين، وتقبل النفوس على الحسن، وهذه الآية الواردة في حق المؤمنين، تبيّن أن أهل السعادة هم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا بما جاء به المرسلون، وعملوا صالح الأعمال، من إقامة الفرائض والمندوبات، ابتغاء رضوان الله، فيكون لهم جنات الفردوس (وهي أعلى الجنة وربوتها وأفضلها) منزلا معدّا لهم، مبالغة في إكرامهم.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة».
ويبقى المؤمنون في الجنة خالدين فيها مقيمين بصفة الدوام، لا يرغبون عنها بديلا ولا يريدون عنها تحولا. ثم أخبر القرآن عن سعة علم الله، فقل لهم أيها الرسول: لو كتبت كلمات علم الله وحكمته، وكان ماء البحار حبرا، والقلم يكتب، لنفد ماء البحر قبل أن يفرغ من كتابة ذلك، ولو جيء بمثل البحر بحر آخر وآخر، فإن كلمات الله وأسراره لا تنفد، ولا تضبطها أقلام. ثم حضّ القرآن على صفة التواضع وإعلان العبودية لله تعالى، فذكر: قل أيها النبي للمشركين في مكة وأمثالهم: ما أنا إلا بشر مثلكم في البشرية، ليس لي صفة الملكية أو شيء من الألوهية، ولا علم لي إلا ما علمني ربي، وعلم الله واسع محيط بكل شيء، لا يحده حد، فمن آمن بلقاء الله وطمع في ثواب الله على طاعته، فليتقرب إلى الله بصالح الأعمال، وليخلص له العبادة، وليجتنب الشرك والوثنية، بعبادة أحد غير الله، فإن الإله المعبود بحق هو الله لا شريك له.
والشرك مرفوض بنوعيه: الشرك الظاهر كعبادة الأوثان، والشرك الخفي كفعل شيء رياء أو سمعة وشهرة، والرياء: هو الشرك الأصغر، كما جاء في حديث الإمام أحمد عن محمود بن لبيد، أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا، هل تجدون عندهم جزاء».
وسبب نزول آية: {قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي...} هو ما رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه: فنزلت: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
وقالت اليهود: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة، فقد أوتي خيرا كثيرا، فنزلت: {قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)}.
وسبب نزول آية {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} الآية. هو ما رواه ابن أبي حاتم وغيره عن طاوس قال: قال رجل: يا رسول الله، إني أقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني، فلم يردّ عليه شيئا، حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
ضمت الآية بشارة المؤمنين الصالحين بجنان الفردوس العليا، وأخبرت عن سعة علم الله وإحاطته بكل شيء، وعن بشرية محمد والرسل، وعن توحيد الله في الألوهية والربوبية، وحضّ الناس المؤمنين بلقاء الله على العمل الصالح وتجنب الشرك الظاهر والخفي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8